أخبار عاجلة
الموت يخطف رائد العمل الاجتماعي نديم شويري

الموت يخطف رائد العمل الاجتماعي نديم شويري

عن المكتب الإعلامي – بيروت: رحل أمس رائد العمل الاجتماعي في لبنان ومؤسس “الكفاءات” نديم شويري ،الرجل الذي امتد حضوره الملتزم في الارض ، ممهدا طريقه الى السماء.

نديم حبيب شويري المولود في الحدث في عائلة ثرية في ٢٥ كانون الثاني ١٩٣٥ ،اتخذ قراره باكرا بتثمير حياته في خدمة الانسان وتخصيص كل ثروته العائلية والشخصية لمساعدة االبسطاء والضعفاء واصحاب العاهات والحاجات.

فرغم نيله اجازة في الاقتصاد وإدارة الاعمال ثم شهادة الماستر من الجامعة الأميركية في بيروت وانخراطه في العمل في منصب كبير في شركة مالية وعقارية كبرى، ادرك انه رجل دعوة ورسالة. وفي الحادية والعشرين من عمره ،اتخذ قراره في أيار ١٩٥٦وهو يشاهد عذاب والده على فراش الموت، في ان يبدأ حالا بتحقيق رسالته، بعدما شجعه على ذلك أستاذه في الجامعة سعيد حماده ،فتأسست “الكفاءات” سنة ١٩٥٧.

فكر في البدء ان يعمل لإنقاذ الفتيات الجانحات “المجدليات” ليقينه ان لكل واحدة منهن طاقة توبة وقداسة ،مستنسخا تجربة الأب الفرنسي Tavlas بإنشائه واحة le nid لتأهيل الجانحات. لذلك باشر رسالته بالاتفاق مع راهبات دير في بلدة صليما في المتن الأعلى على تأهيل تسع فتيات التحقن بالمدرسة التي فتحت ابوابها للمرة الاولى في الرابع من تشرين الاول ١٩٥٩.

ومن دير صليما الى غرفتين في حي كرم الزيتون في الأشرفية سنة ١٩٦٣ حيث فتح شويري مشغلا لتصنيع الحقائب الجلدية بايدي المعاقين، فإلى قرية الحدث سنة ١٩٧١ ثم مجمع عين سعاده سنة ٢٠٠٣، قلبت “الكفاءات” مفهوم الخدمة الاجتماعية في لبنان والشرق.

أعطى نديم شويري “الكفاءات” كل حياته ولون روحه. حولها من مدرسة تأهيلية الى مركز للعلاج ومصنع للاطراف الاصطناعية والتجهيز الطبي والعلاج النفسي، ومشغل للمصنوعات الجلدية أنتج من عام ١٩٦٣ الى عام ١٩٧٥ مليون واربعمائة الف وستمئة قطعة جلدية بيعت الى بلدان أميركية وأوروبية، بالاضافة الى مدرسة فندقية ومعهد مهني وكليات باختصاصات متعددة.

تأثر نديم شويري بوالدته نجيبة مشرق، وبأستاذه المفكر رينيه حبشي وباستاذه الآخر ميشال اسمر وبصديقه الشاعر سعيد عقل .كذلك سحره عمل الكاردينال Ronkali الذي اصبح البابا يوحنا الثالث والعشرون، مطلق المجمع الفاتيكاني الثاني.

وفِي حقل العمل الاجتماعي ،تأثر بالأب بيار وب Albert Schweitzer الذي ترك التبشير والطب وراح يشتغل العمل الإنساني في افريقيا .ومن الفلسفة الوجودية التي اكتسبها من أستاذه رينيه حبشي اقتنع بالالتزام المؤمن، فكان يردد ان “من يكون الله شريكه لا يخاف “.

آمن ان الانسان طاقة لا اعاقة، وان المجال الوحيد لبناء كرامة المصاب هو في تأهيل كفاءاته المتعددة، وان الطاقة المصقولة هي وحدها التي تجعل سوق العمل تبحث عنه.

كان نديم شويري يقول انه محظوظ بالتعرف الى ثلاث نساء اعطين لحياته المعنى: مريم العذراء وأمه وزوجته ليلي  اسطفان التي اشترط عليها حين ارتضت مشاركته الحياة بأن تكون الكفاءات “ولدنا البكر المدلل”. ووفت ليلي بالوعد فكانت أم أولاده الأربعة وأم الآلاف من أبناء الكفاءات.وكانت ملاكه الحارس وعضده وسنده المعنوي والمادي لاسيما عندما اصر على اعادة بناء “الكفاءات” تسع مرات بسبب اهوال الحرب اللبنانية.

لم تهزمه المحن والازمات ودمار ونار الحروب، فأكد تمسكه بلبنان كما احبه معلنا التزامه الله والإنسان والكنيسة المسكونية الواحدة المتآخية مع الاسلام وباقي الديانات. وعلى مدى نصف قرن، لم يتعب من التطلع الى السماء وقدماه ثابتتان في الارض، يطوف العالم ويتواصل مع الجمعيات والمؤسسات الرسمية والخاصة لتطوير “الكفاءات” ومفهوم العمل الاجتماعي الحديث، الى ان غدره المرض في سنواته الاخيرة، فراح يتضاءل في الجسد والوظائف، فيما روحه تنير فضاء “الكفاءات” التي بناها على صخرة الله .

نديم شويري حامل وسام الأرز برتبة كومندور، والميدالية الانطاكية الأرثودكسية الأنطونية الذهبية.

يحتفل بالصلاة لراحة نفسه الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم الجمعة ١٦ الجاري في كنيسة رقاد السيدة، مجمع الكفاءات، عين سعاده، حيث يوارى الثرى في مدفن العائلة.

إلى الأعلى