أخبار عاجلة
“مكان هادئ 2”.. الصمت أكثر سحراً ورعباً

“مكان هادئ 2”.. الصمت أكثر سحراً ورعباً

متابعة بتجـــرد: كل نجاح لفيلم أو مسلسل صار كالدعوة المفتوحة لشركة الإنتاج للاستفادة من هذا الإنجاز وتقديم سلسلة من أجزاء عدة، لكن هل تنجح الأجزاء؟ وهل تعتبر إضافة حقيقية لفريق عمله وللسينما وللجمهور؟

«أيه كوايت بلايس»، أو «مكان هادئ»، فيلم فاجأ الجمهور عام 2018 لكونه فيلماً صامتاً في معظم أجزائه، مملوءاً بالرعب والإثارة، محققاً إيرادات عالية جداً، وسار في ركب المفبركين جزءاً ثانياً للاستفادة من نجاح الأول، حيث سارع مخرجه ومؤلفه جون كراسنسكي لتصوير «مكان هادئ 2»، والانتهاء منه عام 2019، لكن «كورونا» أخّرت ظهوره في الصالات حتى مطلع الشهر الجاري، فهل نجح كراسنسكي في مواصلة إدهاش الجمهور؟

يبدو أن جون كراسنسكي يحب المفاجآت والخروج عن الشكل التقليدي، سواء لأفلام الرعب، أو لأفلام الأجزاء المتسلسلة، فقد تعمّد بدء أحداث فيلمه الجديد بمقدمة تعيدنا إلى الجزء الأول، تعيد تذكيرنا بالشخصيات الرئيسية، مشاهد كاملة مكتملة عما حصل في تلك المدينة الصغيرة حيث تعيش عائلة بوت المكونة من الأب لي (كراسنسكي نفسه)، والأم إيفلين (إميلي بلانت) وهي حامل، ولديهما ولدان وفتاة صمّاء.

أثناء وجود الأهالي في ملعب المدينة يشاهدون أولادهم في مباراة «البيسبول»، يظهر شيء غريب في السماء، فتحصل بلبلة، ويتفرق الناس ثم يكتشفون أن مخلوقات فضائية هاجمت الأرض وهي تكره الضجيج والأصوات العالية، وأي صوت يمكن أن يجذبها لأنها تتمتع بحاسة سمع دقيقة، وتنقض على أغلبية السكان وتدمر كل شيء. لي أبوت تمكن من اختراع سماعة لابنته، تكتشف الأسرة أن هذه السماعة تصدر موجات حادة تزعج هذه المخلوقات فتتجمد مكانها، عندها يمكن قتلها كما فعلت الأم في الجزء الأول. الأب يضحي بنفسه كي ينقذ المولود الجديد وابنه ماركوس (نواه جوبي)، وابنته ريجان (ميليسنت سيموندز) بعدما خسرت الأسرة ابنها بو أيضاً في الجزء الأول.

انطلاقة

انطلق الفيلم من اليوم الأول، وسار في مقدمته ليصل بنا سريعاً إلى اليوم 474، فننطلق مجدداً مع مغامرات عائلة أبوت بعد رحيل الأب. الأم تقود ولديها ريجان وماركوس، وعلى ذراعها تحمل الرضيع. ويحزمون ما يستطيعون من أهم ما يحتاجون إليه من سلاح وبعض الطعام وأنبوبة الأوكسجين الموصولة بالصندوق الخشبي الذي سبق أن صنعه الأب كي يخفوا فيه المولود الجديد، ويتمكن من التنفس والبكاء داخله من دون أن تسمعه المخلوقات. ريجان جريئة، تريد مواصلة ما فعله أبوها، وتحاول رسم خريطة لتعرف أي طريق يسلكون بأمان. صمت وهدوء، يمشون حفاة ويدققون في الخطوات إلى أن يقع ماركوس في فخ يقبض على رجله. مشهد معبر جداً عن حالة الخوف والألم والصمت، الأم تكمم فم ابنها حتى لا يصرخ رغم كمّ الألم. يشعرنا المخرج بأن هناك من يراقب الأم وأبناءها من خلال منظار بندقية، وحين يهاجمهم أحد المخلوقات الغريبة تقتله الأم، فيظهر من كان يراقبهم ويساعدهم على الهرب إلى مصنع يختبئ فيه. إنه إيميت (سيليان مورفي) صديق لي. الدنيا كلها خراب وأشلاء. وكأنها مدينة صامتة في سكينة الموت بعد هدنة حرب.

إثارة وتشويق

كراسنسكي المؤلف (وقد استند في الأصل إلى فكرة سكوت بيك وبراين وودز) لم يفشل في مواصلة رحلة الرعب هذه، ولكنه لم يخرج عن إطار الفكرة الأساسية وتأليف أحداث كلها مبنية على ما أنجز في الجزء الأول، ولا يمكننا فصلها عنها. واصل أيضاً السير على نهج الإثارة والتشويق نفسه، لكنه قلل من مساحة الصمت ليمنح الصوت والكلام مساحة أكبر، كأنه يسرق بعضاً من سحر العمل وما جعله مميزاً حقيقة عند انطلاقه عن أغلبية أفلام الرعب الحديثة. وما يؤخذ على المؤلف والمخرج أنه لم يقدم لنا معلومات جديدة عن هذه الكائنات أو المخلوقات المدمّرة والقاتلة للبشر، كما اكتفى باستخدام ما تم ابتكاره من أدوات في الجزء السابق لمحاربتها، وعمل على تحريك شخصياته من مكان إلى آخر، في محاولة للخروج من هذا المكان والنجاة بأنفسهم، وهم يأملون في إيجاد المساعدة في مكان ما، بما يوحي لنا بأن المخلوقات الغريبة هاجمت هذه المدينة فقط، وأن خارج الحدود حياة أفضل وأمل أكبر، ولكن هل هذا صحيح؟

ريجان ورثت عن أبيها الفضول العلمي والجرأة والعزيمة، لذا تقرر المضي قدماً بحثاً عن أرض آمنة، خصوصاً حين سمعت عبر جهازها أغنية «وراء البحار» التي كان يرددها والدها، ويستخدمها كنوع من الإشارة ونداء استغاثة. تفهم أن هناك من يتعمد بث الأغنية وعليها إيجاده كي تنقذ العائلة. تخرج سراً فيلحق بها إيميت لمساعدتها. ريجان تحرك الأحداث، ودورها بحجم دور الأم، بل أقوى في بعض المشاهد خصوصاً في الجزء الأخير من الفيلم، ويمكن القول إن ميليسنت سيموندز تنافس إيميلي بلانت في التمثيل والأداء والقوة وقدرتها على التحمل، وإقناعك بأنها قادرة على تحريك الأحداث. نواه أيضاً برع بدور ماركوس، لاسيما في أصعب مشاهده حيث الألم والصراخ بصوت مبحوح وألم مكتوم. أما إميلي بلانت فهي محافظة على أدائها نفسه، تجسد شخصية الأم الشرسة المستعدة للقتل دفاعاً عن أسرتها، قوة إرادة مع قوة بدنية عرفت بلانت كيف تظهرهما بالملامح والحركة الجسدية.

وينجح المخرج في تقديم الرعب بحرفية عالية، وكان أفضل لو واصل اللعب على أعصاب المشاهدين باعتماده على الصمت. ومثلما ختم الجزء الأول وهو في ذروة الأحداث والأعصاب مشدودة، هكذا يختم الجزء الثاني بأحداث مفتوحة على كل الاحتمالات، نهاية بلا نهاية توحي بأن هناك جزءاً ثالثاً ما دامت الكائنات ما زالت موجودة، والعائلة التي نجت ما زالت تبحث عن الأمان. ربما تعمد المؤلف الاستمرار بأحداث الجزء الثاني على ما تم اكتشافه في الجزء الأول بلا إضافات ولا معلومات جديدة عن المخلوقات الفضائية، أو كيف يمكن القضاء عليها بشكل تام، كي يجد لنفسه مدخلاً للجزء الثالث، ولتحويل «مكان هادئ» إلى سلسلة أفلام رعب وتشويق، قادرة على جذب الجمهور ونيل إعجابه إذا استمرت على المستوى نفسه من الحرفية في الرعب والتشويق وتصعيد الأحداث حتى المشهد الأخير.

إلى الأعلى