أخبار عاجلة
الموسم الخامس من The Crown: قليل من التاريخ.. كثير من القصص العاطفية

الموسم الخامس من The Crown: قليل من التاريخ.. كثير من القصص العاطفية

متابعة بتجــرد: بعد عامين من الانتظار جرت خلالهما في النهر مياه كثيرة، كان آخرها وفاة الملكة إليزابيث الثانية، وتولي الأمير تشارلز لعرش الملكية البريطانية، عاد مسلسل The Crown (التاج) إلى منصة “نتفليكس” في موسمه الخامس، وقبل الأخير.

يأتي الجزء الخامس في وقت صعب، إذ لم يمر على وفاة الملكة سوى بضعة أسابيع، ومشاعر الناس لم تزل ملتهبة، إما بالحزن والحنين إلى الماضي، وإما بالغضب والسخرية تجاه مشاعر الفريق الأول، معتبرين التاج البريطاني رمزاً للاستعمار ونهب الشعوب. 

الموسم الخامس، فوق ذلك، يعرض واحدة من أصعب فترات الأسرة المالكة، إن لم يكن أصعبها على الاطلاق، وهي الفترة التي تمتد من بداية تسعينيات القرن الماضي، وينتهي قبل أيام من بدء علاقة الأميرة ديانا بدودي الفايد، ومصرعهما المؤسف في باريس. 

وشهدت هذه الفترة، من بين ما شهدت، انهيار العلاقات الزوجية لأفراد الأسرة، مصحوباً بعدد لا بأس به من الفضائح الجنسية، التي نشرتها وسائل الاعلام صورة وصوتاً، وانهيار شعبية الملكة، وحريق قصر ويندسور، وفقدان آخر مستعمرة بريطانية في هونج كونج.

ولعل أكثر هذه الأحداث تأثيراً، هو ما أطلق عليه “حرب آل ويلز” بين تشارلز وديانا، واللكمات التي راح يتبادلها الاثنان علنا. 

ولا عجب إذن أن تتراجع الأحداث السياسية والاجتماعية في الموسم الجديد، لتتصدر حياة أفراد التاج البريطاني المشهد، لدرجة أننا يمكن أن نطلق على الجزء الخامس عنوان “غراميات العائلة المالكة”.

لا يكتفي صناع العمل وعلى رأسهم المؤلف بيتر مورجان بهذا، ولكنهم يغامرون في الموسم الجديد بتغيير شامل للممثلين، حتى يكاد هذا الجزء أن يصبح عملاً منفصلاً عن المواسم السابقة. 

وعلى رأس هذه التغييرات إيميلدا ستاونتون في دور الملكة إليزابيث، دومينيك ويست في دور تشارلز، إليزابيث ديبيكي في دور ديانا، جوناثان برايس في دور الأمير فيليب، ليزلي مانفيل في دور الأميرة مارجريت، أوليفيا ويليامز في دور كاميلا.

ومثل الأجزاء السابقة يتكون الموسم الخامس من 10 حلقات، كل منها تحمل عنواناً مختلفاً وتتناول موضوعا مختلفا، ما ينأى بالعمل عن السرد التاريخي التقليدي، ويحول الأحداث المتتابعة في غير نظام، إلى حبات تنتظم في خيط درامي واضح المعالم، كما تعلي من قيمة القالب الفني (الحلقة الواحدة المتكاملة)، ما يسهل المشاهدة ويزيدها متعة.

تحمل الحلقة الأولى عنوان “عرض الملكة فيكتوريا”، وتتناول الجدل الذي أثير في بداية التسعينيات، حول بقاء الملكة إليزابيث الثانية في الحكم لسنوات طويلة، وهل الأفضل أن تتخلى عن العرش لصالح تشارلز، أم تعيد ما فعلته جدتها فيكتوريا، التي بقيت ملكة حتى وفاتها، وما صاحب ذلك من جمود فكري وسياسي.

هذه الفكرة تتردد عبر حلقات الموسم كله، وهي الصراع بين التقليد والتجديد، بين ما هو كائن وما يجب أن يكون، ورغم أن موضوع تنحي الملكة كان مطروحاً بقوة طوال فترة التسعينيات، إلا أن المسلسل يصيغها بطريقة “خيالية”كما يؤكد بعض المؤرخين.

وقد أصدر رئيس الوزراء الأسبق جون ميجور بياناً، نفى فيه بشدة ما عرضه المسلسل، من أن الأمير تشارلز التقاه خصيصا ليطلب منه مساعدته في الضغط على الملكة، لاقناعها بالتنازل عن العرش لتشارلز، وهو ما نفاه ميجور بشدة واصفاً المشهد بـ”الخبيث”وبأنه لم يحدث، ولم يكن له أن يحدث.

هذه الاعتراضات على “الدقة التاريخية” ترددت حول الكثير من المشاهد في المواسم السابقة، ولكن الموسم الخامس ينال القدر الأكبر من هذه الاعتراضات، ما دفع المتحدث باسم “نتفليكس” على تكرار ما أعلنته الشركة المنتجة في السنوات الماضية، من أن المسلسل “عمل خيالي يستند إلى وقائع تاريخية”.

ومن ثم لا يجب على المشاهد أن يستقبل المسلسل على أنه “تأريخ” أو حقائق ثابتة، ومع ذلك لا يستطيع أن يستقبله كدراما خيالية، لا علاقة لها بالشخصيات والأحداث التاريخية، وهذه إشكالية أزلية متضمنة داخل أي عمل تأريخي أو سيرة، وتحتاج إلى وعي من نوع خاص، وجهد شخصي لتمييز التاريخي عن الخيالي، ولعل أهم ما تفعله هذه الأعمال هو أنها تحث مشاهدها على البحث والمعرفة.

تحمل الحلقة الثانية عنوان “مومو”، والمقصود به “اسم التدليل” لمحمد الفايد، الشاب السكندري الفقير المغامر، الذي هاجر لبريطانيا وتحول إلى ملياردير شهير، تحوم حول نشاطاته وسلوكه الشبهات، والذي دخل مع السلطات والعائلة المالكة اليريطانية في اشتباكات وتشابكات كثيرة، كان آخرها علاقته بالأميرة ديانا، ودعوتها لقضاء إجازة مع أبنائها على يخته الخاص في “سان تروبيز”، حيث توطدت علاقتها بابنه دودي، وهو المشهد الذي ينتهي به الموسم الخامس.

تخصص الحلقة الثانية بالكامل، تقريباً، لرصد حياة محمد الفايد وصعوده، ومحاولاته للتقرب من الملكة والعائلة المالكة، ويلعب الممثل المصري أمير المصري دور الفايد شاباً، بينما يلعب الفلسطيني سليم الضو دوره في منتصف وآواخر العمر، أما دور عماد أو دودي، الفايد فيؤديه المصري خالد عبد الله.

و يُحسب للمسلسل الاهتمام بكتابة الحوار بالعامية المصرية واللكنة السكندرية، بالرغم من بعض الفلتات والأخطاء الصغيرة في التنفيذ.

أما شخصية الفايد كما يقدمها المسلسل، فتثير الجدل مثل بقية الشخصيات الأخرى، البعض قد يرى أنه يسئ إلى الرجل، والبعض قد يرى أنه يتعاطف معه.

ومن المؤكد أن موقف المشاهد من بريطانيا ومن الملكية البريطانية، ومن كل شخصية على حدة سيؤثر على رأيه في المسلسل.

البعض قد يعتقد أنه يهين الملكة وعائلتها ويختلق قصصاً لا أساس لها من الصحة، والبعض قد يعتقد أنه يتعاطف معهم ويظهرهم في صورة بشر من لحم ودم، عالقين بين احتياجاتهم الطبيعية وبين واجبات المنصب.

الأمر نفسه ينطبق فيما يتعلق بالأميرة الراحلة ديانا، التي يمكن أن يرى البعض أن المسلسل يُسئ إليها، أو أنه يبرز دوافعها ومشاعرها.

وهو ما يمكن قوله أيضاً عن كاميلا، حبيبة عمر تشارلز، التي كانت الشخصية الأضعف والأكثر إثارة للكراهية في القصة التاريخية، ثم صارت ملكة بريطانيا في عمر الـ75.

ويظهر ذلك بوضوح في الحلقة الخامسة “السير قدماً”، التي تتناول بالتفصيل وقائع فضيحة “تامبونجيت”، عندما قامت إحدى صحف التابلويد في 1993، وعقب انفصال تشارلز وديانا (قبل الطلاق الرسمي في 1996)، بنشر نص مكالمة حميمة بين تشارلز وكاميلا، كادت أن تطيح بمستقبل الأمير والملكية.

ورغم الفضائحية التي تتسم بها الواقعة، إلا أن المسلسل يعرضها على ضوء متعاطف، يصور الأمير وصديقته كبشر في حالة ضعف إنساني.

المسلسل في موسمه الخامس، بشكل عام، هو بمثابة مرثية لعصر الملكة إليزابيث، ويظهر ذلك عبر قصة اليخت الملكي “بريطانيا”، التي تتردد عبر الحلقات العشر، إذ يبدأ المسلسل بتدشين اليخت بحضور الملكة الشابة، وينتهي بوداع إليزابيث لليخت الذي يحال للتعاقد ويخرج من الخدمة، (وهو عنوان الحلقة العاشرة)، كما لو كانت تودع عصرها وحياتها.

إلى الأعلى