أخبار عاجلة
دراما “لعبة الحبار” تتحول إلى واقع في كوريا وبريطانيا

دراما “لعبة الحبار” تتحول إلى واقع في كوريا وبريطانيا

متابعة بتجــرد: في الماضي كان يقال أن الفن يحاكي الواقع، ولكن في عصرنا أصبح الواقع يحاكي الفن، والدليل هو ما نسمع عنه من أحداث ووقائع مستلهمة مما نراه في الأفلام والمسلسلات.

 خلال الأيام الماضية تناقلت الصحف ووسائل الإعلام البريطانية والعالمية، أخباراً متضاربة ومقلقة حول برنامج تليفزيون الواقع البريطاني الذي تنتجه منصة “نتفليكس” باسم “لعبة الحبار: التحدي” Squid Game: The Challenge ، وهو استنساخ “حي” للمسلسل الشهير. 

وتعرض البرنامج الذي شارك فيه 456 متسابق في تنافسات مقتبسة من ألعاب “لعبة الحبار”، مقابل جائزة تزيد عن أربعة 4.5 مليون دولار، لاتهامات من قبل بعض المتسابقين المشاركين فيه بأنهم تعرضوا لظروف “غير إنسانية”، وأن بعضهم نُقلوا إلى المستشفى أو تعرضوا للألم الشديد، أو كادوا يفقدون حياتهم أثناء المسابقات.

منصة “نتفليكس” المنتجة للبرنامج أصدرت بياناً تفند فيه الاتهامات، ورغم أنها لم تعلن بعد عن موعد بث البرنامج البريطاني، لكنها بدأت في عرض البرنامج الكوري “Physical: 100” أو “الأقوياء المئة”، الذي يتشابه مع برنامج الواقع الإنجليزي في اعتماده على فكرة مسلسل “لعبة الحبار”، ولكن يختلف معه في أشياء كثيرة.

اختلافات جوهرية

أول هذه الاختلافات أن المتسابقين أنفسهم في “Physical: 100” من الرياضيين المحترفين، وثانيها أن الألعاب مختلفة عن “لعبة الحبار”، وإن كانت تشبهها، لكنها أقل خطورة، كما أن الروح العامة بين المتسابقين يسودها التنافس الشريف والتقدير المتبادل (أو على الأقل، هذا ما يظهر للمشاهد عبر الحلقات الأولى التي تم بثها من البرنامج المسلسل إلى الآن).

وعلى عكس “لعبة الحبار: التحدي” الذي بدأت الانتقادات توجه إليه حتى قبل عرضه، فإن “Physical: 100″ حظي بترحيب ونقد إيجابي بشكل عام، وقد وصفته صحيفة الـ”جارديان” البريطانية في مقال بعنوان “لعبة الحبار ضد المصارع”، بأنه عمل “رائع تتحقق فيه مقولة ستيف جوبز بتضافر الفكرة اللامعة بالتنفيذ العظيم”.

والحقيقة، فإن فكرة استغلال النجاح الهائل الذي حققه مسلسل “لعبة الحبار” عالمياً بمحاولة صنع نسخة “برنامج واقع” منه قد تخطر ببال الكثيرين، وهي خطرت بالفعل للبريطانيين والكوريين، ولكن على أرض الواقع يصعب تنفيذ هذه الفكرة إنتاجياً وفنياً، ويبدو أن هذا هو الفارق الأساسي بين العقل الفردي المبدع، وفريق العمل المبدع، أو بالأحرى البلد المبدع.

وأول ما يصير الدهشة في “Physical: 100” هو كيف استطاع فريق عمل البرنامج جمع 100 من أكبر وأفضل الرياضيين في كوريا، من لاعبي جمباز، ومصارعين، ومقاتلين، ورافعي أثقال، وجنود، وضباط قوات خاصة، بينهم عدد كبير من النساء وقليل من الأجانب المقيمين في كوريا، وإقناعهم بالتنافس معا في مجموعة من الألعاب التي لا يعلمون طبيعتها ولا قواعدها مسبقاً، حيث يخرج المهزومون إلى أن يبقى متنافس واحد في النهاية يفوز بكل شئ، وبالتحديد 300 مليون وان كوري، ولا تندهش من الرقم فهو يعادل 250 ألف دولار أمريكي فقط، وهو رقم لا يذكر مقارنة بجائزة “لعبة الحبار: التحدي” التي تبلغ 4.5  دولار.

مواهب معروفة وألعاب مجهولة

يبدأ “Physical: 100” بحلقة طويلة تمهيدية، نتعرف فيها على المتنافسين وطبيعة مهاراتهم وموهبتهم والبطولات والإنجازات التي حققوها، من الحاصل على الميدالية الأوليمبية الذهبية في الجمباز، إلى بطل العالم في المصارعة، إلى معلم ومدرب القوات الخاصة في الجيش الكوري، إلى نجم الأكروبات واللعب بجسده المطاطي.. إلخ.

بعد ذلك يأتي الاختبار الأول، الذي يعتمد على قوة العضلات مع خفة الوزن، حيث يتعلق المتنافسون في الهواء على حافة جسر فوق حوض مياه، إلى أن يبقى واحد منهم فقط، يحصل الفائزون بالمراكز الـ 50 الأولى على امتياز اختيار الخصم والملعب في اللعبة التالية. 

تتراوح المسابقات بين الألعاب الفردية والجماعية، في اللعبة الفردية الأولى يقوم كل زوج من المتنافسين بالتسابق لامساك كرة مطاطية على مدار 3 دقائق، ويفوز من يمسك بها عندما ينتهي الوقت المحدد، وهناك ملعبان لكل منهما طبيعة خاصة قد تناسب موهبة أحد المتنافسين أكثر من الثاني.

وبجانب اللعبة الفردية التي تنتهي بخروج المهزوم هناك ألعاب جماعية يخرج فيها الفريق المهزوم كله، حيث يقوم المتنافسون بتكوين فرق للمشاركة في لعبة لا يعرفونها مسبقا. 

واللعبة الجماعية الأولى يتضح أنها عبارة عن تعبئة ونقل أشولة من الرمال من مكان إلى آخر، عبر جسر يدوي هش يسهل انهياره (على طريقة عمال البناء في الأحياء الشعبية).

بين الواقع والدراما

تأثير “لعبة الحبار” واضح مثل المكان، الجائزة المالية، صوت منظم الألعاب الآلي القادم من مكان غير معلوم، ارتداء العاملين بالمكان لأقنعة تخفي وجوههم.

لكن هناك اختلافات وفوارق كبيرة سرعان ما يشعر بها ويلمسها المشاهد، أولها أن كل المسابقات والمنافسات والمعارك تظل في إطار الرياضة والروح الرياضية، دون قتل أو التعرض للأذى، ودائما ما ينتهي الأمر بتحية الخصمين، الفائز والخاسر، لبعضهما، بل أحياناً باعتذار الفائز للمهزوم أو احتضان كل منهما للآخر بود صادق. 

الفارق الثاني أنه رغم قوة هؤلاء الأبطال “الخارقة”، إلا أن قدراتهم تظل “واقعية”، دون مبالغات أو معارك مصممة على طريقة الأفلام وتمثيليات “مصارعة المحترفين”. 

فهؤلاء الأبطال يتألمون من الضربات، وسرعان ما تنقطع أنفاسهم بعد دقائق معدودة، ومهما كانت سرعتهم أو قوتهم فهي محدودة ويمكن تصورها وتقديرها من قبل المشاهدين.

فارق آخر يتمثل في “واقعية الدراما”، فمثل الحياة نفسها، تصيب بعض التوقعات، ولكن كثير منها يخيب، حيث تتدخل عوامل كثيرة في تحديد الفائز، غير قوته أو جدارته، فأحياناً يخسر المرء لتراخيه، أو استهانته بخصمه، أو بسبب صدفة غير متوقعة، وكثير من الذين يتعلق بهم المشاهد خلال الحلقة الأولى وينتظر لهم فوزاً باهراً، يخسرون في الجولات الأولى لأسباب واهنة.

“الحبار” دون سلبياته

وإذا كان “لعبة الحبار” وأمثاله من الأفلام والمسلسلات التي تتسم بالعنف الشديد تؤدي أحياناً إلى تأثيرات سلبية على مدمني مشاهدتها، مثل عدم التأثر وافتقاد الحساسية تجاه العنف والقتل، أو العيش في ضلالات قوة وقدرات خيالية، وربما الانفصال عن الواقع، فإن ما يحققه هذا العمل الرائع، ربما بالصدفة، هو أنه يعيدنا إلى أرض الواقع، ويبين لنا حدود الجسد وقوانين الطبيعة، بل والحدود الأخلاقية التي يجب أن يتوقف عندها المرء. 

ولعل الدرس الأكبر الذي يتعلمه المرء من هؤلاء الأبطال المئة، هو أن المرء كلما ازداد قوة كلما ازداد تواضعاً وإنسانية وتقديراً لقوة الآخرين. 

ومن أجمل مشاهد العمل هي تلك التي يبدي فيها هؤلاء الأبطال إعجابهم ببعضهم البعض، وبالمهارات الخاصة التي يحظى بها كل منهم، فالقوي حقا ليس لديه سبب للحقد أو الحسد أو لاستعراض قوته أمام الآخرين.

إلى الأعلى