أخبار عاجلة
مسلسل “اللعبة 4”.. الفشل مفتاح النجاح!

مسلسل “اللعبة 4”.. الفشل مفتاح النجاح!

متابعة بتجــرد: فكرة بسيطة تكاد تكون طفولية، وليست حتى مبتكرة إذ سبق تقديمها في أعمال أخرى، ولكن توفر لها عناصر فنية جيدة ربما أهمها الكتابة الجيدة.

هكذا بدأ مسلسل “اللعبة” الذي دخل موسمه الرابع تحت عنوان “اللعبة 4: دوري الأبطال”، ويعرض حالياً على منصة “شاهد”.

عندما بدأ عرض الموسم الأول، لم يكن الكثيرون يتوقعون أن يحظى بالنجاح الكبير الذي حققه، ولم يكن أحد من هؤلاء يتوقع أن يمتد هذا النجاح إلى مواسم تالية، فهو في النهاية واحد من عشرات الأعمال الكوميدية التي ظهرت خلال السنوات العشر الماضية، مقتبسة، مكررة، ربما تضحك المشاهدين قليلا، ولكنها لا تعلق بذهنهم، ولا يفكرون في العودة إلى مشاهدتها ثانية.

ولكن شيئا ما حدث في “اللعبة”، شئ لا يمكن حسابه أو وصفه بدقة، ولكنه يكمن في “الكيمياء”، أو “التوافق”، أو “التوفيق” الذي يصيب بعض الأعمال الفنية، ولا يمس أخرى، بغض النظر عن حجم المواهب أو الجهد أو الابتكار بين هذه الأعمال. 

تكمن معادلة نجاح “اللعبة” قبل كل شئ في هذا التوافق الذي يجمع بين فريق العمل، من ممثلين ومؤلفين ومخرج، حيث تشعر أنهم تحولوا بالفعل إلى عائلة واحدة  تجمعهم المنافسة، ولكن أيضا الحب والتقدير المتبادل، وعلى مدار مواسم المسلسل الأربعة لا تشعر أن هناك من يحاول أن يخطف العمل لنفسه، أو من يتجاوز مساحة دوره أو حدود وظيفته في المسلسل.

من الثلاثي إلى الثنائي

على رأس هؤلاء هشام ماجد وشيكو، من المعروف أن الأثنين بدآ حياتهما الفنية مع صديق وزميل ثالث هو أحمد فهمي منذ أيام دراستهم بالجامعة، ثم من خلال عدد من الأفلام الناجحة مثل “ورقة شفرة” و”سمير وشهير وبهير” و”بنات العم” و”الحرب العالمية الثالثة” وغيرها، قدموا من خلالها كوميديا مختلفة تعتمد على المحاكاة الساخرة لأعمال محلية وعالمية، وكوميديا الموقف والشخصية، على عكس معظم الأعمال الكوميدية المصرية آنذاك التي كانت تعتمد على النجم الأوحد والقاء “الإيفيهات” والنكات اللفظية.

لكن التعاون بين الثلاثي لم يستمر طويلا، إذ سرعان ما انفصل أحمد فهمي مفضلا لعب البطولات المنفردة، محققا قدراً محدوداً من النجاح، فيما استمر هشام ماجد وشيكو معا من خلال أفلام مثل “حملة فريزر” و”قلب أمه”، ومسلسل “اللعبة”.

“اللعبة” بالتحديد جاء مناسباً جداً لهما، ففكرته تقوم على ثنائي مكون من صديقين متنافسين طوال الوقت ويرتبطان عائلياً من خلال زواجهما من أختين.

ويحدث ذات يوم أن يتلقيا مكالمة هاتفية من شخص مجهول يطلب منهما المشاركة في لعبة تنافسية يحصل الفائز فيها على مبلغ كبير من المال، وتستمر هذه اللعبة في عدة جولات، ورغم أن إدمان اللعب والمنافسة هذا يؤدي بهما إلى كوارث منها تعرضهما للسجن، إلا أنهما لا يستطيعان التخلي عن اللعب.. حتى الآن.

روح الفريق

رغم أن شخصيتي “مازو” و”وسيم” هما الأساس الدرامي للعمل، ورغم أنهما مناسبتان جدا لكل من هشام ماجد وشيكو، لكن ما يعطي العمل قوته وقدرته على الاستمرار هو في الحقيقة مجموعة الممثلين الآخرين وشخصياتهم المكتوبة بشكل جيد: من الأختين شيماء وإسراء (مي كساب وميرنا جميل)، إلى الحماة شويكار (عارفة عبد الرسول)، وزوجها بسيوني الملط (الرائع دوماً سامي مغاوري)، واللص الظريف جميل جمال (محمد ثروت)، وأحمد فتحي، ومحمد أوتاكا، وبقية ممثلي الأدوار الثانوية كباراً وأطفالا.

ويعتمد المسلسل أيضا على بعض ضيوف الشرف في كل موسم، مثلما حدث مع رانيا يوسف، وأحمد فهمي، وهذا الموسم مع أكرم حسني، الذي يلعب دور شقيق “وسيم” العائد من الهجرة. 

أفكار لامعة وأخرى مطفأة

مثل اللعب نفسه، لا يذهب المسلسل إلى مكان، ولا يشهد تحولات تذكر على مستوى الدراما أو الشخصيات، فقد علق كل من مظهر محفوظ الشهير بـ”مازو” (هشام ماجد) و”وسيم الصريطي” (شيكو) وبقية أفراد عائلتيهما وأصدقاءهما في دائرة لا تنتهي من إدمان اللعب، وكل ما يحدث هو أن نوعية اللعبة تختلف كل مرة.

والتحدي الأساسي الذي يواجه صناعه هو البحث عن أفكار لألعاب جديدة، يمكنها أن تصنع مواقف درامية كوميدية.

وفي الموسم الرابع تتنوع هذه الألعاب في مستوى طزاجتها ودراميتها، فمن لعبة تمثيل عناوين الأفلام المعروفة والتي تخلو من أي حركية درامية، إلى لعبة خلع الملابس التي تخلق مواقف محرجة وضاحكة لا تنتهي.

يتكون “اللعبة” بطبيعته من فقرات منفصلة تبدأ كل منها بمكالمة هاتفية من صاحب اللعبة الغامض يحدد اللعبة الجديدة وقوانينها، وتنتهي بمكالمة هاتفية يعلن فيها اسم الفريق الفائز، مع بعض الاستراحات القصيرة جداً بين كل لعبة وأخرى.

ولو غيرنا لعبة محل الأخرى لن يحدث فارق يذكر درامياً، وهو ما يعني أن المسلسل يمكن أن ينتهي في أي لحظة، أو يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية.

ولكن صناع المسلسل توصلوا إلى حل آخر يعوض تهافته الدرامي، وهو التركيز على نحت كل شخصية في العمل وإعطاءها خصوصية وتفاصيل مميزة، وهو ما يجعل الدراما تقوم غالباً على الصراع بين الطبائع المختلفة للشخصيات.. وعلى صراع هذه الشخصيات مع ذلك القدر الغامض المسمى باللعبة.

ويتضح مدى الجهد المبذول في نحت تفاصيل هذه الشخصيات من خلال فقرة اللعب التي تتطلب أن يقوم كل لاعب بتقمص شخصية لاعب من الفريق الآخر، وهي من أفضل فقرات الموسم الجديد.

فلسفة الفشل

كل هذه الشخصيات، بمن فيهم “مازو” و”وسيم”، ليس لديهم من المهارات أو الذكاء ما يؤهلهم للانتصار، وغالبا يأتي فوز فريق ما نتيجة غباء وخطأ الفريق الآخر، ورغم أن الهدف الأساسي من ذلك هو الاضحاك إلا أن هناك فلسفة أو فكرة ما تتسرب عبر مشاهدة العمل، وهي أن الجميع ضحايا أمام قدر عشوائي لا قواعد أو منطق فيه،  إذ يأتي الفوز أو الخسارة بالصدفة أو نتيجة قلة حيلة هذه الشخصيات التي ينقصها الحد الأدنى من المهارة والذكاء. وليس أدل على ذلك من قدرتهم على إضاعة المال بشكل أسهل بكثير من الوقت الذي يبذلونه في جني هذا المال! 

الطريف أن هذا الفشل المزمن الذي تعاني منه كل الشخصيات يدفع المشاهد إلى التعاطف معهم دون استثناء، وهو أمر نادر أن تحظى كل شخصيات عمل ما بهذا القدر من التعاطف!

يعتمد “اللعبة” على فكرة بسيطة تكاد تكون طفولية، ولكن فريق الكتابة بقيادة أحمد سعد والي يبذلون جهداً كبيراً لملء الفكرة بتنويعات ومواقف كوميدية تصل إلى حدود العبثية والضحك الهيستيري أحياناً، بالرغم من أن بعض الفقرات مملة بفقر كتابتها واستنساخها من أعمال سابقة. 

وهذا الجهد في الكتابة والتمثيل لم يكن له أن يظهر ويؤثر بدون توفر مخرج موهوب حقاً في الكوميديا وهو معتز التوني، ولعل أفضل ما يتميز به أنك لا تشعر على الإطلاق بوجوده، فيده خفيفة للغاية، لا يحاول الاستعراض أو اثبات وجوده، ولكنه يفعل كل المطلوب في كل مشهد بثقة وبساطة.

إلى الأعلى