أخبار عاجلة
“طاش – العودة”.. عطر الماضي في زجاجة الحاضر

“طاش – العودة”.. عطر الماضي في زجاجة الحاضر

متابعة بتجــرد: ثلاثون عاماً وثمانية عشر جزءاً، مرت على عرض الحلقة الأولى من مسلسل “طاش ما طاش” في الثاني والعشرين من فبراير 1993، وهاهو الجزء التاسع عشر من المسلسل الأطول عمراً في تاريخ الدراما العربية يعود للحياة مجدداً، إذ بدأ بث موسمه الجديد على منصة “شاهد” وفضائية mbc في موسم دراما رمضان الجاري تحت عنوان “طاش.. العودة”، من إخراج محمد القفاص وبطولة نجميه المعروفين ناصر القصبي وعبد الله السدحان.

3 عقود مرت، قطع خلالها “طاش ما طاش” رحلة طويلة اكتنفها الكثير من العقبات والرقابات، ونال خلالها الكثير من النجاحات، ومن الهجوم والانتقادات، وتنقل خلالها بين أكثر من شركة إنتاج وقناة. 

وبين الجزء الثامن عشر والعودة مرت 12 عاماً بدونه، حتى اعتقد الكثيرون، ومنهم صناع العمل أنفسهم، بأنه لن يعود ثانية، لكن mbc فاجأت جمهورها بإ نتاج وبث الجزء الجديد، الذي حقق خلال حلقاته الأولى نسب مشاهدة وردود فعل أعادت للأذهان ذكريات العمل القديم.

ويتضح ذلك منذ المقدمة الاعلانية للموسم الجديد التي تصور أجهزة تليفزيون قديمة، تعرض لقطات من المواسم السابقة مع بعض لقطات الموسم الجديد.

من شاهدوا “طاش ما طاش” في سنواته القديمة يتذكرون كيف جمع العمل بين الفكاهة والنقد المبطن، واللاذع أحيانا للعديد من المظاهر السلبية في المجتمع، ولعل السؤال الذي كان أكثر إلحاحاً قبل قرار العودة هو “ما الذي يمكن أن يقدمه صناع العمل في ضوء التغيرات الهائلة التي حدثت في المجتمع السعودي منذ 2011″، السنة التي توقف بعدها المسلسل؟.

هذا بالتحديد هو موضوع الحلقة الأولى من “طاش.. العودة”، حيث يفسر الغياب ويبرر العودة بحيلة خيالية ذكية، إذ يعود الصديقان القصبي والسدحان (أبو نزار وأبو هزار) وأسرتيهما إلى العالم بعد غياب اختفوا خلالها بسبب عاصفة رعدية أصابت سيارتهم ببرق شديد، أدى إلى إصابتهم بغيبوبة لمدة 8 سنوات.

 فكرة أهل الكهف تتردد كثيراً في الدراما السعودية كما نجد في الفيلم القصير “ومن كآبة المنظر” تأليف وإخراج الأخوين قدس وفارس صهيب، والذي يعرض على منصة “نتفليكس” ضمن مجموعة أفلام قصيرة تحت عنوان “6 شبابيك في الصحراء”.

يدور “ومن كأبة المنظر” حول طائرة ركاب تسقط في منطقة مهجورة، حيث ينجو بعض ركابها ويقضون الأيام في انتظار الانقاذ، ولكن عندما يخرجون أخيراً إلى الحاضر يكتشفون أنهم قضوا عدة عقود، لا أيام، غائبين عن العالم.

الاستعارة واحدة في الحالتين ولكن الدلالة مختلفة، “ومن كأبة المنظر” يشير إلى سنوات الانغلاق وسيطرة الفكر المتشدد على كل مناحي الحياة في المملكة، بينما يشير “طاش” إلى سنوات الخروج والانفتاح السابقة.

وتحمل الحلقة عنوان “الصاعقة”، في إشارة إلى التغيرات الهائلة التي اجتاحت حياة الأبطال والبلاد. يستيقظ الأبطال من غيبوبتهم ليجدوا عالماً مختلفاً تماماً، حيث النساء تقود السيارات بحرية، ويتولين المناصب القيادية، وحيث تحولت أنظمة التعاملات الحكومية والخاصة إلى التطبيقات الرقمية الحديثة، وحيث أصبح دور الدولة أكبر في مكافحة السلبيات وحماية حقوق الإنسان، أو وفقاً لما ذكره ناصر القصيبي على لسان شخصية “أبي نزار”: “كنا في غيبوبة واستيقظنا على قفزات”.

في الحلقة الثانية التي تحمل عنوان “العين عليك” نبرة جادة، جديدة بعض الشئ على العمل، وهي تبدو وكأنها إعادة صياغة سعودية لرواية “القضية” لفرانتس كافكا. خلال ليلة عرس رجل الأعمال الفاسد أبو علي على زوجة رابعة يزوره جار ليخبره أن “العين عليه”، وهي جملة تقض مضجع أبي علي وتفسد عليه زواجه، وبالتدريج حياته كلها، إذ يكشف، من غير أن يدري، عن كل الجرائم التي ارتكبها في حياته

الكوميديا في هذه الحلقة ذات طابع سوداوي، نفسي، وسياسي، يشير إلى وقع عملية التغيير ومكافحة الفساد على البعض.

يتنقل “طاش.. العودة” خلال الحلقات التالية بين شخصياته القديمة المألوفة وشخصيات عصرية جديدة، كما يتنقل بين الموضوعات “العامة” غير المرتبطة بزمن، وبين موضوعات مرتبطة بالحاضر وبالتغيرات الاجتماعية والتكنولوجية الحديثة.

ويستخدم المسلسل مفردات عصر “السوشيال ميديا”، مثل نجمات انستجرام وسناب شات، لكي يتهكم عليها ويصنع المفارقة الكوميدية الناتجة عن تصادم والتقاء عصرين مختلفين تماما لا يفصل بينهما سوى بضع سنوات.

تتناول الحلقة الثالثة التي تحمل اسم “ابتزاز” ظاهرة التصوير بكاميرا الجوال، وكيف يستخدمها البعض لابتزاز الآخرين، وتدور الحلقة حول قيام فتاة بتصوير سائق تاكسي ساذج لابتزازه.

وتعكس هذه الحلقة القلق العام من مخاطر التكنولوجيا وتحرر النساء، وهو قلق يتردد صداه في حلقات أخرى، منها حلقة “بائع محتوى” التي تدور حول انهيار وانحدار الإعلام التقليدي وصعود “بائعي المحتوى” على مواقع التواصل، وذلك من خلال قصة كاتب صحفي كبير (ناصر القصيبي) يتعرض للفصل من وظيفته، وعندما تقوم “فاشينيستا” من نجمات Snapchat  تدعى سوسو بذكر اسم الكاتب في إحدى فقراتها يشتهر ويتحول من صاحب رأي إلى بائع محتوى يروج الإعلانات والأكاذيب.

كعادته يستعين “طاش..العودة” بعدد من نجوم ونجمات الدراما المعروفين، ومنهم هنا حبيب الحبيب، إلهام علي، يوسف الجراح، سناء بكر يونس وغيرهم، أما الجديد فهو استعانته بنجوم الإعلام والسوشيال ميديا، مثل مها عبد الله التي لعبت دور “الفاشينستا سوسو”، ورهف القحطاني التي شاركت في بطولة الحلقة الثامنة، والتي حملت عنوان “هجرة الرجال”، وهي واحدة من أظرف الحلقات (إلى الآن) وأكثرها تعبيرا عن “قلق العصر”، الذي ينتاب الرجال من فقدان مكانتهم وهيمنتهم بسبب تحرر وتمكن النساء!

 تلعب القحطاني هنا شخصية استشارية نفسية تساعد النساء المقهورات تتحول إلى قائدة تنظيم نسائي يهدف لطرد الرجال من المدينة بالقوة المسلحة، حيث يستطعن امتلاك أسلحة دمار شامل ومفاعلا نوويا، وبالفعل تقوم النساء بطرد الرجال من المدينة ويقمن بتنظيم حفل خلع جماعي.

في الحلقة السادسة التي تحمل عنوان “مقطاع حق” ربط ذكي آخر بين “طاش” القديم، الذي يركز على سلبيات المجتمع المغلق، والتعليق على المتغيرات الآنية.

تبدأ الحلقة بانتقاد سلوكيات بعض المواطنين، الذين يضمرون النزعة القبلية والعنصرية تجاه أبناء بلدهم، كما ينتقد سلوكيات البعض الذين يحابون أبناء قبيلتهم وعشيرتهم، لينتقل بخفة إلى إبراز دور الأجهزة الأمنية في ملاحقة الفساد الإداري والمالي.

كما أشرت، تتنوع الأفكار والموضوعات في الموسم الجديد، وهناك حلقات تنتمي لكوميديا الشخصية منها الحلقة الثامنة التي تحمل عنوان “الغثيث”، حيث يؤدي عبد الله السدحان شخصية رجل حشري دائم التدخل في حياة الآخرين ولا يراعي الحدود. 

وللجدل مساحته في الكوميديا أيضا، وربما تكون الحلقة الأبرز في هذا السياق – إلى الآن- هي التي تحمل عنوان “الحب والألزهايمر” التي تدور حول رجل مسن يعاني من مرض الألزهايمر، وكيف تعرض للخداع والنصب على يد إمرأة سلبت ميراثه، وهو موضوع مآساوي أثار جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الإجتماعي.

إلى الأعلى