أخبار عاجلة
صداقات غير متوقعة تولد ليلة عطلة رأس السنة في THE HOLDOVERS

صداقات غير متوقعة تولد ليلة عطلة رأس السنة في THE HOLDOVERS

متابعة بتجــرد: THE HOLDOVERS “الباقون” هو فيلم درامي يحكي قصة مدرس يُدعى “بول هونهام” حاد الطباع، الذي يكرهه كل طلابه وزملائه، حيث يتقاطع طريقه في عطلة رأس السنة مع طالب مشاغب يُدَّعَى “أجنوس”، وسرعان ما تتطور الأمور بينهما إلى صداقة غير متوقعة، إذ تدور الأحداث حول الروابط الإنسانية والأمل في الحياة رغم الظروف العائلية القاسية.

الفيلم من إخراج ألكسندر باين، وسيناريو دافيد همنجسون، وتمثيل كل من بول جياماتي، ودومينيك سيسا، ودافين جوي راندولف، وتاتي دونفان، وكاري بريستون، وجيليان فيغمان.

يجسّد بول جياماتي دور أستاذ صارم في أروقة الأكاديمية الرفيعة بارتون في بدايات السبعينيات، إذ تظهر شخصية “هونهام” غير محبوبة بين الطلاب والموظفين، حيث يتميز بقساوته الفائقة، ولا سيما في المشهد الافتتاحي الذي قدمت له زميلته “ليديا”، التي تجسدها الممثلة كاري بريستون، حلويات عيد الميلاد لهذا الأستاذ العجوز، على الرغم من تجاهله المستمر.

يتسم “هونهام” بإعطاء درجات سلبية ومهام صعبة في أوقات عطلة الكريسماس، ويظهر ذلك على نحو واضح عندما ينفرد بصرامته، ويصفع الطلاب بكلماته القاسية، بسبب أدنى مخالفاتهم، ورغم أنه يتلقى تنبيهات صغيرة من “ليديا”، إلا أن طبيعته العدوانية تظهر على وجه ملحوظ.

ويعد “هونهام” أحد تلك الشخصيات التي تفتقرإلى القوة الشخصية في حياتهم، ولهذا يتجهون نحو استخدام القسوة والعدوان كوسيلة للتعويض. ورغم ذلك، ينعزل ويجد نفسه بلا أصدقاء يشاركونه حياته.

تتألق عدسة الكاميرا في استعراض اللقطات القريبة لمجموعة من الأطفال الذين يجدون أنفسهم مضطرين للبقاء في حجرة الصف بدلاً من العودة إلى أحضان منازلهم، حيث يفرض على الرجل الوحيد “بول” أن يظل على اطلاع دائم حيال شؤونهم التربوية، ويتولى مسؤولية تكليفهم بواجبات دراسية، لإنه يعلم أن هذا هو الواجب الوحيد الذي يمتلكه فعلاً.

تأخذنا آلة التصوير في رحلة لا تُنسى عندما يتقاطع عالم “بول” مع عوالم هؤلاء الطلاب “الباقون” خلال هذه الإجازة، إذ يجتمعون مع زميلهم “أنجوس”، الذي يتقمص شخصيته الممثل الموهوب دومينيك سيسا بطريقة لافتة، حيث يشكلون ثلاثة أفراد ينتمون إلى فصول مختلفة تماماً من حياتهم، لكنهم سيتأثرون ببعضهم بطريقة تتسم بالدفء والحقيقة، ثم أن رئيسة الطهاة “ماري”، التي تجسد دورها الرائع الممثلة ديفاين جوي راندولف، تلعب دورًا بارزًا في هذه القصة، مما يُظهر تشابك الأقدار وتأثير اللحظات الصغيرة في خلق روابط حية وعميقة.

تتألق الحبكة الدرامية بتماسكها، حيث ينقل سيناريو اللحظات الفارقة في حياتنا، إذ يتيح لشخص غريب أن يلعب دوراً حاسماً في تغيير مسارنا إلى اتجاه لم نكن نخطط له، حتى بعد فترة طويلة من الاعتقاد بأننا قد استوعبنا كل التغييرات، يظهر هذا في عدة مشاهد بأسلوب يفتح النافذة على الحياة، مستخدمة نماذج مألوفة، ولكنها تبتكر تفسيرات خاصة، مما يجعل دروس الحياة تتجسد على نحو منفرد، متجاوزة الإيقاع الزمني في السرد الدرامي.

وتجسد شخصية “ماري” الأم المكلومة، امرأة تفقد ابنها في حرب فيتنام، إذ تظهر “راندولف” بتجسيد مذهل ومؤثر، وتنقل ببراعة ثقل الحزن الذي يكون عائقاً لها في التنقل في هذا العالم.، رغم أنه أمر صعب بالنسبة إليها التكيف مع الحياة بعد هذا الفقدان القاسي، لا يمكننا تصوّر الألم الذي ينبعث من فقدان الأم لابنها، ولكن يبدو أنه يحوّل الأيام إلى رمال سريعة التلاشي بفعل تقلبات الحياة.

من ناحية أخرى، يُقَدِّم “أنجوس”، الفتى البالغ من العمر أربعة عشر عامًا، تصرفات ذكية وحادة، ولكنه يظهر بنوع من العدوانية الناجمة عن عدم اليقين. يتجسد تناقض والديه الذين لا يرغبون في وجوده خلال عطلة الأعياد، ويجد نفسه بلا وجهة محددة بعد مغادرته بارتون.

وقد يكون الانضمام حتى إلى حرب فيتنام خيارًا ممكنًا، ولكن يبدأ هؤلاء الأعداء الطلبة في فهم تدريجي لبعضهم البعض، كما يعد “هونهام” شخصًا يستكشف كيف وصل إلى هنا من خلال صداقته مع شاب يفحص مساره المستقبلي.

تبرز المشاهد الأولى العصبية التي يظهرها “هونهام” بطرق هستيرية، مما يجعلها أكثر قوة عندما تنهار تلك الجدران، أما “راندولف” لا تحقق الكثير من الابتسامة، ولكنها تظهر نوعا من اللطف عندما يتاح لها ذلك، ثم أن الشخص الفعّال هنا هو أداء الممثل “سيسا”، الذي يبدأ بثبات، ويتطور على نحو متناغم مع تقدم الفيلم.

تلك اللحظة الفنية بين الشخوص، تعتبر واحدة من تلك الفترات الفريدة التي يسطع فيها  الممثل كنجم مستقبلي واعد ك “سيسا”، إذ لديه الحيوية التي تميز بطل الرواية وفنان الشاشة الفريد في الوقت نفسه.

وتستعيد الأجواء العامة للأحداث روح الكوميديا في السبعينيات، حيث كان السحر والتجربة جزءًا لا يتجزأ، والغرابة لم تكن إثمًا، بالتأكيد كان “سيسا”، ولا يزال نجمًا يلمع، حيث يحتفظ بموهبته وجاذبيته التي تتحد ما بين الفكاهة والسحر، وهو يظل رمزًا حتى الآن.

تاريخ هوليوود يتخلله العديد من حكايات “العائلات البديلة التي تتعلم الدروس”، إلا أن طابع فيلم “الباقون” يظهر ببريق استثنائي، إذ يعكس وقعاً طويلاً غائبًا عن تجاربنا.

يفهم المخرج وفريقه عمق هذه الدروس اليومية في الحياة العادية، ولكنهم يبدعون في تقديمها بأسلوب محبوك يبقى خالدا، وتتجاوز حدود الزمان والمكان.

“الباقون” يعتبر عملاً سينمائيًا فذًا ومسلًيًا، يتناول قصة أفراد يمتازون بسهولة التحفيز، مشكّلين صورًا تشبه الأشخاص المألوفين في حياتنا اليومية، ولكن إنجازه الفني الحقيقي لا يكمن فقط في القدرة السهلة على التعرّف على الذات في شخصيات الفيلم بل يتجلى في القدرة على اكتشاف تلك الصور المتنوعة من الشخصيات الثلاثة على نحو متجانس.

إلى الأعلى