أخبار عاجلة
Poor Things.. باربي تلتقي بفرانكنشتين في ديزني لاند

Poor Things.. باربي تلتقي بفرانكنشتين في ديزني لاند

متابعة بتجــرد: رشح فيلم Poor Things لـ11 جائزة أوسكار، حصل منها على 4 لأفضل ملابس، وماكياج، وتصميم مناظر، وممثلة لبطلته إيما ستون، مضيفاً إلى حصيلة الجوائز الكثيرة التي حصدها منذ أن عرض في مهرجان فينيسيا الماضي، وحصل على الأسد الذهبي كأفضل فيلم في المهرجان.

وفوق ذلك حقق الفيلم إيرادات تقدر بحوالي 109 مليون دولار، وهو رقم كبير جداً مقارنة بميزانية إنتاجه التي لم تزد عن 35 مليون،  مع ذلك، ورغم كل هذه الجوائز والشعبية، يظل Poor Things واحداً من أغرب الأفلام التي ظهرت خلال السنوات الماضية وأكثرها صعوبة على الهضم.

لطالما عرف صانع الفيلم اليوناني، يورجوس لانثيموس، بعوالمه السوريالية الغريبة، منذ فيلمه Alps عام 2011، الذي حقق لاسمه شهرة ما، ثم من خلال فيلمه البديع The Lobster، الذي شارك في بطولته النجمان كولين فاريل وريتشل وايز، وكان آخر إبداعاته  فيلمه شبه التاريخي العجيب The Favourite في 2018، قبل أن يعود بأكثر أعماله إثارة للعجب إلى الآن، وهو Poor Things.

نبدأ من عنوان الفيلم، وهو أيضا عنوان الرواية التي اقتبس منها الفيلم، والتي صدرت 1992 بتوقيع آلاسدير جراي، ويشير المؤلف في إحدى الفقرات أن كل شخصيات عمله يجمع بينها كلمة “بائس” أو “فقير” poor، سواء لوصفهم أو لكثرة استخدامهم لها.

كذلك ترد الكلمة في عبارة متأخرة من الرواية، يستخدمها الفيلم أيضاً، على لسان الدكتور جودين (دانيال ديفو) الذي يقوم بتخليق كائنات هجينة مثل رأس كلب بجسد دجاجة، أو امرأة ناضجة الجسد بمخ رضيع، كما في حالة الشخصية الرئيسية بيلا باكستر (إيما ستون).

عندما تواجه بيلا جودوين بصدمتها في أنه كذب عليها، يقول، معترفاً بخطأه، أنه لا يقل بؤساً عن زوجها القديم الذي يظهر لاستردادها، ومن ثم فإن أفضل ترجمة لعنوان الفيلم في تصورنا قد تكون “كائنات بائسة”، وهو عنوان يتفق مع تحليلنا لمعنى الفيلم ومضمونه، بالرغم من صعوبة الإمساك بهذا التحليل أو المعنى.

ومن العنوان إلى قصة الفيلم التي تدور أحداثها في لندن النصف الأول من القرن التاسع عشر، فيما يعرف بالعصر الفيكتوري، نسبة إلى الملكة فيكتوريا، وهي الفترة التي شهدت ذروة الثورة الصناعية (بداية باكتشاف طاقة الفحم (والآلات البخارية)، ثم الكهرباء، وهي الفترة التي شهدت مولد أدب الرعب الحديث، ممثلاً في رواية “فرانكنشتين” لماري شيلي، التي تعتمد عليها رواية وفيلم “Poor Things إلى حد كبير.

لقد عولجت رواية “فراكنشتين” عشرات، إن لم يكن مئات المرات، في الأدب والمسرح والسينما، بتنويعات وتأويلات مختلفة، وأحد هذه التنويعات هو التعاطف مع المسخ الذي يقوم يتخليقه الدكتور فرانكنشتين، واعتباره ضحية، وكائن مسكين يبحث عن هوية وذاكرة ومعنى لوجوده.

وهذه هي الفكرة التي تتردد عبر رواية وفيلم Poor Things، ولكن من خلال امرأة، ما يجعل بحثها مزدوجاً وأكثر تركيباً، فهي تبحث عن كل من إنسانيتها وأنثويتها.

من الطريف أن نقارن Poor Things بفيلم Barbie الذي كان ظاهرة 2023، والذي حقق نجاحات وإيرادات قياسية، كل من بيلا وباربي تتشابهان في محنتيهما الدرامية إلى حد مذهل، ولكن الفارق هو المعالجة، وهو فارق ليس فقط شاسعاً، ولكنه شديد التباين والتأثير إلى حد مذهل.

Barbie فيلم تقليدي، مهذب، ومتصالح إجتماعياً، يترك تأثيراً متفائلاً ومريحاً ومرحاً على مشاهده. أما Poor Things ففيلم خارج عن التنميط، مقتحم، ووقح، وصادم إجتماعيا، وهو يترك تأثيراً متشائماً وكئيباً، ولكن مرحاً أيضاً، على المشاهد. 

Barbie  فيلم تقليدي فنياً، بالرغم من تقنياته العالية وعالمه اللطيف، أما Poor Things فهو متمرد وجرئ، ويتجلى ذلك في كل عناصره: التصوير الذي يعتمد على لقطات “عين السمكة” كأننا نتفرج عبر مخروط “الفانوس السحري” القديم، وألوانه الزاهية المشبعة كأنها من رسم طفل عابث، وأداءه ممثليه المبالغ فيه، كأنهم دمى في مسرح العرائس أو ديزني لاند، وتشدد الملابس والماكياج والموسيقى الحادة في تأكيد هذا التأثير الغرائبي المتجاوز للمعقول، والمقبول.

ينتمي Poor Things في قلبه إلى ما يعرف بأفلام الوصول إلى النضج Coming of Age، ومن خلال فكرته الخيالية (مثل Barbie) يستكشف الوعي الأنثوي في عالم يهيمن فيه الذكور، ويسوده النفاق الاجتماعي والمظاهر المدعية والقهر، بعقل طفل يبحث عن المغامرة، وجسد حر لا يتحكم فيه المجتمع، تدخل بيلا التجربة تلو الأخرى: تستمتع وتتعلم وتتألم، وتكتشف بؤس العالم وتفاهته وظلمه، ومن متعة الجسد الأخرس، تنتقل إلى متعة الذهن الواعي، المثقف، تتخلى عن كل شئ فيما عدا الحرية، والعقل، فتنجو..رغم رعب وهوان الرحلة التي تمر بها.

لا تنتظر إذن مشاهدة ممتعة مسترخية مع Poor Things، بالرغم من أنك قد تضحك كثيراً في كثير من المشاهد، ولكنه ضحك مر كالعلقم، مصحوب بالدهشة، الصدمة، وكثير من الارتباك، وبعض الرعب والنفور أحياناً.

 هذا واحد من أكثر الأفلام غرابة، وانتهاكاً للمحظورات، قد يذكر في بعض نظرته للواقع الإنساني بأعمال الايطالي بازوليني أو الألماني فاسبندر، ولكن بنبرة مرحة، وخفة تتناسب مع عصر الخفة غير المحتملة الذي نعيش فيه، وقد يذكر في بعض خياله السوريالي بأعمال المكسيكي ديل تورو، أو السويدي روي أندرسون، ولكنه أكثر سوداوية، وجروتسكية (والجروتسكية هي مذهب في الرسم والسينما يعتمد على تشويه المخلوقات والموضوعات بأسلوب كاريكاتيري مبالغ فيه).

من الطريف أن نقرأ بعض عبارات التصنيف التي ذكرها نقاد حول Poor Things: كوميديا سوداء، كوميديا قوطية، كوميديا جنسية، كوميديا عبثية، وإيما ستون نفسها تصفه بأنه كوميديا عاطفية Romantic Comedy، الصفة التي يتفق حولها الجميع أنه عمل كوميدي، ولكنها كوميديا يستحيل تصنيفها أو وصفها.

ربما يعتقد المرء أنه لم يعد هناك جديد تحت شمس السينما، وأنه من الصعب العثور على فيلم مبتكر لا يشبه غيره، ولكن الحقيقة أن المبدعين الكبار لا يكفون عن صنع أعمال أصيلة قادرة على إثارة الدهشة، وPoor Things واحد من هذه الأعمال.

هذا عمل من نتاج مخرج طليق الخيال، وإنتاج وتمثيل ممثلة شديدة الجرأة، ولا يقل عنهما شجاعة الكبيران دانيل ديفو، ومارك روفالو، في دورين يمثلان علامة في حياتهما الفنية.

ربما لا يكون Poor Things من النوع الذي تفضله، وربما لا تتقبله ذائقتك (مثل الطعام الذي تأكله وتلفظه بيلا باكستر طوال الفيلم)، ولكنها تجربة ضرورية من أجل النضج، وتدريب هذه الذائقة على هضم أعمال أرقى.

إلى الأعلى