أخبار عاجلة
استياء عارم من إنتاجات رمضان الفنية في المغرب وهجرة نحو “يوتيوب” وفضائيات أخرى

استياء عارم من إنتاجات رمضان الفنية في المغرب وهجرة نحو “يوتيوب” وفضائيات أخرى

متابعة بتجــرد: ما إن قارب شهر رمضان على منتصفه، حتى بدت ملامح الاستياء واضحة على عموم جمهور التلفزيون المغربي، الذي كان يمنّي النفس بأعمال درامية وكوميدية تثلج الصدر، وأن يكون مضمونها مثل إعلاناتها الإشهارية.

بالنسبة لعموم المغاربة، فإن مواقع التواصل الاجتماعي هي المنبر الأسرع للتعبير عن هذا الاستياء، الذي يتحول في بعض الحالات إلى غضب، كما ورد في تدوينة للناشط الجمعوي والسياسي، أحمد بنعكروط، الذي عبّر عن شعوره بالقلق، «باعتباري من دافعي الضرائب ومحبي الفن، إزاء الدور الذي يقبل به بعض الممثلين في مسلسلاتنا»، وأضاف موضحا بأنهم «يروجون للبلادة والعار»، ووجه دعوة صريحة إلى «وقف هذه المهازل والعمل على تعزيز القيم الإيجابية واحترام الجمهور والمجتمع».

القاسم المشترك بين كل المغاربة في انتقاداتهم لمعظم ما يقدم على القنوات التلفزيونية المحلية، هو استغباء المشاهد والضحك على ذقنه، من خلال توظيف مشاهد سمجة وحوارات تعتمد اللكنات البدوية التي تجاوزتها آلة الإنتاج الفني بأشواط عديدة. وهو ما عبّر عنه الإعلامي المغربي أحمد الأرقام في تدوينة، بقوله إن «استعمال لكنة من يطلق عليهم سكان لعروبية (البادية)، أصبح متجاوزا وسوسيولوجيا يعد ميزا عنصريا طبّق منذ 40 سنة من الإنتاج التلفزيوني في جنس الفكاهة وتحول إلى (سيتكومات)، وأصبح خليطا بدمج لكنة أهل مراكش وأهل الشمال، ومع ذلك استمر عنصريا في بث مقاطع متناقضة بين السذاجة والشر».

ويؤكد الإعلامي أن «مشكلة الإنتاج التلفزيوني والسينمائي هو غياب كتاب سيناريو لأنه لا توجد مدرسة تعلمهم هذا الفن، ومن بين أهم الشروط هو قراءة كتاب في العلوم الإنسانية وروايتين كل شهر وبلغات أجنبية لمدة 5 سنوات على الأقل، وقراءة الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية». وكوصفة للخروج من مأزق الكتابة، اقترح الأرقام أن «يشارك 4 محترفين في كتابة سيناريو واحد بإشراف كاتب واحد بتجربة 10 سنوات»، ويستطرد بالقول «أما غير ذلك فانتظر العشوائية في الكلام كأنك في سويقة (سوق يومي صغير) لا إبداع وكثرة اللغو وغياب الأفكار في إطار نسقي وتفكك تسلسل الأحداث ما يشعر المشاهد بالنفور»، ويؤكد أن المشكل في كتاب السيناريو، لذلك «لا بد من مراجعة هذا الملف أما التمثيل والممثلين والإخراج لا مشكل لدى المغاربة».

العديد من المتتبعين لاحظوا أن السرعة التي أنجزت بها معظم أعمال رمضان الدرامية والكوميدية وغيرها، تسببت في حوادث سير فرجوية لا يمكن أن يغفرها المشاهد لصناع الفن في هذا الموسم، ويستشهد البعض بأخبار من قبيل «المخرج الفلاني يسارع الزمن من أجل الانتهاء من تصوير مشاهد مسلسله»، أو خبر آخر يفيد بكون طاقم (سيتكوم) تمكن من الانتهاء من أغلب المشاهد أيام معدودة قبل حلول شهر رمضان، ناهيك عن المونتاج الذي يبدو أن بعضهم ما زال يشتغل على باقي الحلقات بينما العرض متواصل في التلفزيون.

قبل حلول الشهر الكريم بأيام بل شهر، انتشرت الإعلانات ومقاطع الفيديو والصور من الكواليس وغيرها، يعممها الفنان من أجل الترويج لنفسه وحتى يحرص على أن يتابعه المشاهد، خاصة أمام ذلك الكم الكبير من الإنتاجات التي أربكت في البداية المشاهد، الذي فطن إلى أنه أمام نسخة واحدة بصيغ مختلفة وأفكار متشابهة تختلف في التسميات والديكور والحوار لا أقل ولا أكثر، حتى الوجوه الفنية مكررة هنا وهناك، قليل من حافظ على جوهر حضوره بعمل واحد متقن يصنع له التميز، ونذكر من هؤلاء محمد خويي.

إلى جانب «الرداءة» و«التفاهة» و«قلة الجودة»، نجد فئات مجتمعية تعرضت للتمثيل الهزلي من قبل مسلسلات كوميدية، فكان الغضب هو السبيل الوحيد للتعبير عن ذلك، مثلما حدث مع المدرسين الذين غضبوا أيّما غضب من «أولاد يزة»، وهو يصور رجل التعليم في صورة مستضعف وبليد وغير أنيق ومغلوب على أمره وكل الصفات البشعة تتوفر فيه.

الأمر تجاوز الاستياء الشخصي لنساء ورجال التعليم، وتعداه إلى النقابات التعليمية التي راسلت «الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري» (مؤسسة رسمية) وعبّرت عن احتجاجها واستنكارها ومطالبتها بوقف بث مسلسل تلفزيوني مُهين للمدرسين، وأن ما ورد في الحلقة الأولى من تلك السلسلة «لا يليق ومكانة المدرّس في المجتمع، ويشكل استهدافا للمدرسة العمومية، ويبخس المجهودات الجبارة والتضحيات الجسيمة التي تقدمها الشغيلة التعليمية للنهوض بمنظومة التربية والتكوين».

تعليقًا على هذا الجدل الذي لم ينته بعد، قال الناقد الفني عبد الكريم واكريم، إن «هؤلاء الذين يطالبون بمنع مثل هاته الأعمال الرديئة بحجة كونها تسيء لقطاعهم المهني لا يفعلون سوى الدعاية لها بالمجان والمساهمة في استمرارها وكأنهم يمنحونها قبلة الحياة»، وكان قد استهل تدوينته بالإشارة إلى أن النقاد كانوا ينتقدون «هاته التفاهات من وجهة نظر فنية، حتى تتوقف القنوات المغربية عن إنتاجها وتطور من رؤيتها للعمل الكوميدي والدرامي التلفزيوني».

بعض الفنانين كانوا إلى وقت قريب منيعين ومحصنين من حملة النقد والجلد، نظرا لجودة ما يقدمون، سقطوا بدورهم في الرداءة ونالوا حقهم من حصة الغضب المغربي، ونذكر منهم الفنان الكوميدي حسن الفد الذي لم يستطع وفق عدد كبير من المتخصصين، أن يتجاوز شخصية «كبور» التي لعبها قبل عشر سنوات خلت ولا زالت تسيطر عليه ولم يتمكن من تجديد خطابه الكوميدي.

فنانون في ضفة أخرى رفضتهم القنوات التلفزيونية المعروفة والأكثر تداولا، فكان «اليوتيوب» ملجأهم ومنهم من منح الضوء الأخضر في قناة خاصة، وأمتعوا بعد أبدعوا دون أن يــــــكون ذلك منتظرا أو متوقعا، مثل الكوميدي الشهير سعيد الناصيري الذي يقدم سيتكوم «نائب الرئيس» في قناة «شذى تيفي»، والكوميدي باسو الذي يعرض عمله الناجح «سي الكالة» على قناته في «اليوتيوب». كلاهما حققا نسبة مشاهدة كبيرة وغير متوقعة، وكلاهما تناولا موضوعا مرتبطا بالمسؤولية في الإدارة سواء كموظف أو منتخب، وهو ما تناوله سعيد الناصيري بخصوص موضوع الإدارة العمومية في المغرب، وخاصة الشق المتعلق بالمجالس الإقليــمية ومجالس المدينة وموظفيها، من خلال تمرير مجموعة من الرسائل في قالب كوميدي.

الكوميدي باسو بدوره حقق نجاحا كبيرا بعد أن غاب عن شاشات التلفزيون خلال هذا الموسم الرمضاني، ليسجل حضوره بسلسلة «سي الكالة» الكوميدية، والتي تعني الزبونية والمحسوبية في الإدارات. وقد استطاعت كل حلقة من الحلقات المبثوثة لحد الآن أن تحقق نسبة متابعة كبيرة، حيث شاهد كل واحد منها على «يوتيوب» أكثر من مليون شخص.

إلى الأعلى