أخبار عاجلة
طنجة تستضيف يوم الجاز العالمي

طنجة تستضيف يوم الجاز العالمي

متابعة بتجــرد: احتضنت مدينة طنجة المغربية فناني جاز أميركيين كبارا مثل راندي ويستون وإدريس سليمان وماكس روتش عبروا المحيط الأطلسي نحو “واحة من الحرية”، مخلّفين إرثا تحتفي به منظمة اليونسكو الثلاثاء بمناسبة اليوم العالمي للجاز.

فقد مارست المدينة، الواقعة بين المحيط الأطلسي والبحر المتوسط في أقصى شمال غرب المغرب، في تلك الفترة “سحرا جذابا على موجة من المثقفين والموسيقيين (الأجانب)، حتى نُسب لأحدهم قوله إن في نيويورك سفينة على استعداد دائم للإبحار نحو طنجة”، على ما يقول مؤسس مهرجان “طنجاز” فيليب لوران لوكالة فرانس برس.

اختارت منظمة اليونسكو طنجة للاحتفاء باليوم العالمي للجاز هذا العام، والذي سيحتفل به يوم 30 أبريل/نيسان الجاري في أكثر من 190 دولة على أساس أن تكون مدينة البوغاز الرائدة في هذه الاحتفالات ورمزا حيا لتلاقح الثقافات.

وتحتضن المدينة اعتبارا من السبت مؤتمرات وحفلات في الهواء الطلق، تتوج بإقامة احتفال دولي كبير بمشاركة فنانين مثل عازف البيانو هيربي هانكوك وعازفي غيتار الباص ماركوس ميلر وريتشارد بونا وعازف الغيتار روميرو لوبامبو.

وتم التخطيط لهذه الاحتفائية في مدينة شهدت أساطير موسيقى الجاز الباحثين عن الإلهام والتجديد عبر تاريخها، مثل عازف البيانو الجاز الموهوب أوسكار دينارد (1928 – 1960) أو عازف آلة الترومبيت الأميركي الموهوب إدريس سليمان.

وتعود جذور تلك الجاذبية إلى انفتاح المدينة على العالم خلال الفترة التي كانت فيها تحت إدارة دولية (1923-1956)، أثناء خضوع المغرب للحماية الفرنسية-الإسبانية في النصف الأول من القرن الماضي.

وما زاد مكانتها العالمية أن كُتّابا وشعراء من حركة “بيت جنرايشن”  (beat generation) الأدبية الأميركية، وموسيقيي جاز أميركيين من أصول أفريقية جاؤوا إليها “سعيا خلف جذورهم الأفريقية”، وفق ما يوضح المؤرخ فريد بحري، مؤلف كتاب “طنجة تاريخ للعالم والمغرب”.

شكلت طنجة في تلك الفترة “واحة للحرية، مثلما هي موسيقى الجاز”، كما يضيف لوران، فيما يشير بحري إلى أن “وجود موسيقيين أميركيين في طنجة كان مرتبطا أيضا بالنشاط المكثف للدبلوماسية الأميركية” في المدينة.

واستقر فيها مثلاً عازف البيانو الشهير راندي ويستون لخمسة أعوام، بعد جولة له شملت 14 بلدا أفريقيا نظمتها وزارة الخارجية الأميركية عام 1967.

ولعب هذا الفنان الذي برز في حي بروكلين النيويوركي دورا أساسيا في نسج أسطورة طنجة، وخصص لها ألبوما أصدره عام 1973 بعنوان “طنجة”.

خلال مقامه في “عروس الشمال”، كما تلقب في المغرب، عايش ويستون فنان موسيقى كناوة المغربي عبدالله الكورد، الذي يتذكره قائلا لوكالة فرانس “كان راندي رجلا مميزاً لطيفا ومحترما، لقد قدم الكثير للمدينة وموسيقييها”.

تعاون “معلم” كناوة الكورد مع صديقه راندي الذي توفي العام 2018، ودفعا معا حدود الإبداع بعيدا، ليصبحا رائدي المزج بين الجاز وكناوة، الموسيقى الصوفية التي تعود جذورها إلى العبيد المُرحّلين من غرب أفريقيا.

ويتذكر الكورد (77 عاما) في حديث لوكالة فرانس برس في فضاء مخصص للتدريب في قلب طنجة زينت جدرانه بصور تُخلِّد جولات فنية عبر العالم آنذاك، خصوصا مع راندي ويستون وعازف الساكسفون آرتشي شيب، قائلا “لم يكن حاجز اللغة عائقا على الإطلاق، إذ كنا نتواصل من خلال الموازين الموسيقية”.

افتتح ويستون بعد عامين على إقامته في طنجة، نادي جاز سماه “أفريكان ريتم كلوب”، فوق مقر سينما “موريتانيا” الشهيرة وسط المدينة.

ويتابع الكورد “كنا نتدرب هناك وكان راندي يدعو أصدقاءه الموسيقيين، كانت أياما جميلة”، مضيفا في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء “كان ويستون شريكا عظيما، حيث تمكنت من تذوق موسيقى الجاز معه.. لم أكن أعرف شيئا عن الموسيقى الغربية”.

ويضيف “عرفني راندي على موسيقى الجاز، وأخذت الإيقاع وأضفت موسيقى آلة الجمبري والقراقيب والطبل، ومن هنا خلق التعايش والتمازج بين موسيقى كناوة والجاز”.

بعد 25 عاما على لقائهما أثمر هذا التعاون الطويل ألبوما بعنوان “موسيقيو كناوة الرائعون في المغرب” (The Splendid Master Gnawa Musicians of Morocco) صدر في 1992.

كانت طنجة محور ألبوم جاز آخر اعتبر مرجعا في أوساط عشاق هذا الفن، قبل أن يصدر في نسخة تجارية العام 2017 تحت عنوان “موسيقيو الجاز الأميركيون الأربعة في طنجة” (The 4 American Jazzmen In Tangier).

وأوضح فيليب لوران في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن موسيقى الجاز أصبحت معروفة في مدينة طنجة في خمسينيات القرن الماضي بفضل جاك مويال الذي كان يشتغل بإذاعة طنجة الدولية وصمم برامج مخصصة لموسيقى الجاز بالتعاون مع أحد مشاهير طنجة لطفي أقلعي.

إذ تعود قصة الألبوم الفريد من نوعه إلى تسجيل لسهرة جمعت عام 1959 أربعة فنانين أميركيين كبار هم إدريس سليمان وأوسكار دينار وجميل ناصر وباستر سميث، بدعوة من الإعلامي جاك مويال الذي كان يقدّم حينها برنامجا لموسيقى الجاز في إذاعة دولية كانت تبث من طنجة.

لم يكن مويال الذي كان يومها في الثامنة عشرة، يدرك أنه سجل واحدا من أبرز ألبومات الجاز.

وتواصلت ملحمة الجاز في طنجة بانخراط راندي ويستون في مغامرة مجنونة عام 1972 لإقامة أول مهرجان دولي لموسيقى الجاز، استضاف فنانين كبارا كماكس روتش وهيوبرت لاوس وأحمد عبدالملك ودكستر غوردون.

ويتذكر عبدالله الكورد، الذي شارك أيضا في المهرجان، “كانت تجربة فريدة لأنها كانت المرة الأولى نعزف أمام جمهور كبير، بينما كان متعودا على عزف إيقاعات كناوة لجمهور متعطش في حلقات صغيرة على عادة “معلمي” هذا الفن الشعبي في المغرب.

لم تدم مغامرة المهرجان الذي أطلقه ويستون طويلا، لكن دورته الوحيدة ألهمت بعد ثلاثة عقود فيليب لوران لإطلاق مهرجان “طنجاز” الذي يقام كل عام في سبتمبر/أيلول.

وأشار الموسيقي محسن هيشي لوكالة المغرب العربي للأنباء إلى أن الموسيقى الكناوية هي موسيقى جادة للغاية، ولها عدة أنواع من الموسيقى: بما في ذلك البامبارا، التي تحكي تاريخ العبيد، وبالتالي تغني نوعا من الحنين الكئيب، وأخرى أكثر روحانية، تلعب  خلال الاحتفالات.

وبحسب هذا الموسيقي الذي قدم عروضا في مهرجانات وحفلات موسيقية مختلفة، مثل مهرجان كناوة والموسيقى العالمية، فإن الدمج بين الجاز وكناوة هو سلس وطبيعي، لأن هذين الأسلوبين يشتركان في أصل أفريقي مشترك.

ويجمع اليوم الدولي لموسيقى الجاز، الذي أنشأه المؤتمر العام لليونسكو في عام 2011 واعترفت به الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالبلدان والمجتمعات من جميع أنحاء العالم في 30 أبريل/نيسان من كل عام. ويسلط الضوء على قوة موسيقى الجاز ودورها في تعزيز السلام والحوار بين الثقافات والتنوع واحترام الكرامة الإنسانية.

ويصل اليوم الدولي لموسيقى الجاز إلى أكثر من ملياري شخص في جميع القارات كل عام، من خلال البرامج التعليمية والعروض وأنشطة التوعية المجتمعية والإذاعة والتلفزيون ووسائل الإعلام عبر الإنترنت والصحافة المكتوبة والشبكات الاجتماعية.

إلى الأعلى