أخبار عاجلة
“فوق السلك” يقيس قضايا الميراث بميزان العلاقات الإنسانية

“فوق السلك” يقيس قضايا الميراث بميزان العلاقات الإنسانية

متابعة بتجــرد: تدور أحداث مسلسل”فوق سلك” للمخرج نبيل بودرقة  حول قصة “مصطفى”، الرجل الغني السبعيني المنهك الذي يعيش وحيدا في فيلا فخمة بمراكش، بعد أن جمع ثروته من شركاته، وعند وفاته يظهر أخوه “إدريس”، ويطرد جميع الخدم من الفيلا، لكن سرعان ما يتغير الحال عندما نشاهد “المحجوب”، محامي “مصطفى”، الذي يعلن عن وجود رسالة تركها موكله” مصطفى” يوصي فيها للخدم بثلث ممتلكاته، بما في ذلك الفيلا والنصيب الأكبر من أسهم الشركة.

المسلسل من إنتاج الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، وسيناريو مأمون الناصري، ويشارك في التمثيل كل من فريد الركراكي، سحر الصديقي، جليلة التلمسي، عبد النبي البنيوي، سعيد باي، نريمان سداد، هدى حاضر.

يقول المخرج المغربي نبيل بودرقة في حوار مع “ميدل إيست أونلاين” عن الرسالة المرجوه وراء قصة مسلسل “فوق السلك”: “المال لا يمكنه شراء السعادة، وأن الثراء الحقيقي يكمن في القناعة والتفاعل الإنساني والقيم الأخلاقية، إذ أن السعادة لا تأتي من الأموال وإنما من العلاقات الإنسانية الصادقة والقيم الأخلاقية العميقة، والجانب الاجتماعي الذي أفضله في الأعمال الدرامية هو موضوع الحب، فهو قوة محركة لتغيير الأوضاع الاجتماعية وحل المشاكل، وقد يتجسد هذا الموضوع في الأعمال الدرامية كوسيلة لتوحيد المجتمع وبناء علاقات قوية بين الأفراد، ويمكن للمشاهدين مثلا التعاطف مع شخصية ‘مصطفى’ ومع تجربته الشخصية والمشاعر المتداخلة التي يحس بها قبل وفاته، إذ أن الأشرار لا يولدون، بل يتشكلون بناء على الظروف والتجارب التي يمرون بها، وتبين شخصية ‘مصطفى’ جوانب إنسانية متعددة تجعل المشاهدين يشعرون بالميول الإنساني من خلاله حالته، خاصة تجاه علاقته بعائلته وتفاعله مع الظروف الصعبة التي يواجهها”.

ويقدم سيناريو مسلسل “فوق السلك” نموذجًا قويًا لتشابك العلاقات الإنسانية وتأثير الميراث في قرارات حياة الآخرين، كما هو الحال حول قصة الشقيقين “مصطفى” الذي جسد دوره الممثل محمد الشوبي وشقيقه “إدريس” الذي أدى دوره الممثل عبد النبي البنيوي، إذ يقوم “مصطفى” بكتابة كل ممتلكاته باسم الخدم في منزله، مما ينتج عن هذا القرار صدمة للشقيق الآخر “إدريس” الذي يكتشف أن الخدم قد أصبحوا شركاء معه في الميراث، الشيء الذي يعيد ترتيب الأوراق فيما يتعلق بالوراثة والممتلكات.

ويظهر الحوار تباينًا في التفكير والمفاهيم بين الشقيقين، إذ أن “مصطفى” الذي سجل ممتلكاته باسم الخدم لديه في الفيلا، كانت لديه نظرة إيجابية نحو العلاقات العملية والمهنية بشكل أولي، بينما “إدريس” يركزعلى العلاقات الأسرية من ناحية الإرث، وجعل الأخير أكثر أهمية.

ويطرح هذا النهج السردي أهمية التبعات القانونية والمالية للقرارات الشخصية، بعد اكتشاف أن العاملين في المنزل أصبحوا شركاء في الميراث، إذ يجب على “إدريس” تقسيم الممتلكات وفقًا للقوانين والتشريعات المحلية، مما يعني أن نصيبه سيقل إلى ربع الممتلكات و15% من أسهم الشركات.

كما توضح الأحداث العلاقة بين الطبقات الاجتماعية والترابط الودي بين الشخصيات ك “رشيد” البستاني الذي لعب دوره سعيد باي، و”فاطمة” الطباخة التي أدت دورها الممثلة جليلة التلمسي، و”نرجس” الخادمة التي أدت دورها الممثلة سحر الصديقي، و”أحمد” السائق الذي أدى دوره الممثل فريد الركراكي، و”عادل” البواب الذي أدى دوره عبدالرحيم التميمي، إذ أنهم يتقاسمون الباقي من الممتلكات حسب ما كتب لهم، مما يبرز الفجوة الاقتصادية والاجتماعية بين رجال الأعمال والعمال لديهم، وتعكس الحبكة الدرامية عموما تأثيرات القرارات الغير المتوقعة على الآخرين، وكيف يمكن أن تؤدي الاختلافات في الرؤى والقيم إلى تداعيات غير متوقعة في العلاقات الأسرية والمالية.

يُظهر تمثيل محمد الشوبي وعبدالنبي البنيوي تباينًا في الأداء، إذ يقدم كل منهما أداءً معقولًا يبرز طبيعة الشخصية التي يمثلها كل واحد فيهم، والتفاعل مع الأحداث والتحولات من وجهة نظر تختلف حسب رؤيتهم للأمور التي تطرأ في المجتمع، ويكمن جزء كبير من التناغم بين الشخصيات في التوافق في التعبيرات الجسدية واللغوية، مثل مشاهد العلاقات مع الخدم، فعلى سبيل المثال، تعبيرات الوجه واللغة الجسدية عند محمد الشوبي “مصطفى” كانت توحي بقرب أجله بشكل بسيط ومتوقع، ولكن عند الممثلة جليلة التلمسي “فاطمة” الطباخة، غامض إذ تنقل المشاعر والمواقف بشكل أكثر واقعية ولكن بشكل مشوق، وخاصة نظراتها إلى فريد الركراكي “أحمد” زوجها، في المقابل، تظهر كاريزما عبدالنبي البنيوي “إدريس” الشر القادم في الأحداث من خلال نظراته الحادة في وجه الخدم، وعندما يتفاعل الممثلون مع بعضهم البعض بطريقة طبيعية ومتناغمة، فإن ذلك يعزز الانسجام بين الشخصيات.

بالإضافة إلى دراما الفقد التي جسدتها هدى حاضر “سلوى” عند وفاة “مصطفى”، يحقق توازن بين شخصيات تنتمي إلى طبقات اجتماعية مختلفة يجمعهم الموت، وهذا يساعد على بناء قصة غنية ومتنوعة.

ويتميز أسلوب إخراج مسلسل “فوق السلك” بتركيزه الفائق على روعة مدينة مراكش وبنيانها المزخرف من جهة، وتفاصيل الزوايا البصرية ذات اللقطات القريبة والقريبة جدًا على التعابير الفنية للطاقم الفني من جهة أخرى، مما يعزز قوة الاندماج للمشاهد في عوالم الشخصيات وقصتهم، كما يتم استخدام الايقاع الزمني للاحداث بشكل مقبول لإبراز تطورات الحبكة الدرامية، ويبين تكوين اللقطات المتوسطة القضايا الاجتماعية مثل الطمع والانانية في توزيع الميراث بوضوح، إذ تتميز بالتوازن الفني الذي يمكنه من إظهار الجانب الإنساني للشخصيات.

يعمل تكوين اللقطات في التصوير على تعميق الروابط بين الشخصيات وتعزيز الدراما، مما يضيف طبقات جديدة من التوتر والتعقيد في متتالية الأحداث، وتسلط هذه اللقطات الضوء على التناقضات في الابعاد النفسية والاجتماعية لافراد المجتمع، بين الفقراء والأغنياء، الطموح والرضا بالقليل، والخير والشر، بصورة واضحة ومعقولة، إذ يتميز هذا الأسلوب في الإخراج بقدرته على جذب الانتباه وتحفيز العواطف، مما يجعل تجربة مشاهدة باقي الحلقات ممتعة ومثيرة، تتيح للمشاهدين التفكير بعمق في القضايا الاجتماعية والأخلاقية المطروحة.

إلى الأعلى